الثلاثاء، 24 مايو 2016

هل يملك لنا النبي نفعا او ضرا

هل يملك لنا النبي نفعا او ضرا
امام سؤال في تويتر عن سبب اقتطاع استثناء ورد في قوله سبحانه وتعالى:
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
بداية فمن طريقتي ان انظر اولا في حقيقة ما يحمله النص من معاني، لكي أحصره على او اتوسع به إلى ما يدل عليه بغض النظر إلى ما يقوله الناس، فقد رأيت البعض يقصر نصوص هي اوسع مما يقول او يتوسع في نصوص هي لم تتوسع كما يقول او يفسر نصوص من عنده ليست من النصوص
ثم انظر في القرآن إذا كان يوجد آيات اخرى تتوسع فيما اجملت فيه او تقيد ما أطلقه او تفصل فيما لم تفصل فيه
ثم انظر في آيات القرآن او ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر هل ورد فيه ما يؤيد او يعارض ما يقوله الطرف الآخر
وقد انظر قبل ذلك او بعد ذلك في كتب التفسير لأنهم جمعوا ما قيل حول الآية مدار الخلاف لأن ذلك قد يدلني إلى شيء لم انتبه له او يختصر علي البحث مثلا
وفي هذه الآية لم اطلع على كتب التفسير وإنما رجعت إلى القرآن ذاته ثم إلى سنة النبي مما اذكره من احاديث تتعارض مع ما يرونه في هذه الآية والتفصيل كما يلي :
اولا: حقيقة دلالات الآية
لا شك ان هناك حقيقة مهمة تحملها الآية ربما غفلنا عنها وهي لفظ "لنفسي"، علما ان اول الآية ورد تكرر مرتين والآيتان هما:
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49)
فوجود لفظ "لنفسي" في الآيتين يدل على ان المراد ان النبي لا يملك لنفسه وليس لغيره نفعا او ضرا إلا ما شاء الله
ثانيا: هل ورد عن النبي او رسل الله انهم لا يملكون لغيرهم نفعا ولا ضرا بدون استثناء
نعم ورد ذلك عن نبي الله عيسى حيث امر الله النبي ان يقول :
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)
كما ورد في قوله سبحانه وتعالى :
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23)
ففي هاتين الآيتين نجد ان الله بيّن انهم يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا وفي الثانية ان الله امر النبي ان يخبر قومه انه لا يملك لهم ضرا ولا رشدا
وفي هذا عموم لم يأتي استثناء يخالفه فثبت ان ذلك هو الأصل
ثالثا: هل وردت آيات تخبر انه لا يوجد أولياء من دون الله لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا وليس فيه استثناء
نعم ورد ذلك كما في قوله سبحانه وتعالى:
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)
ولم يرد استثناء في القرآن يستثني احدا ممن غلى فيهم البشر
رابعا: هل ورد في القرآن نص ينفي ان من اتخذهم بعض الناس آلهة يملكون لأنفسهم ضرا او نفعا وليس فيه استثناء
نعم ورد كما في قوله سبحانه وتعالى:
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً (3)
خامسا: هل بين الله في القرآن انه يوم الحساب لا يملك بعضنا لبعض نفعا ولا ضرا وليس فيه استثناء لرسل او أنبياء او أئمة
نعم ورد كما في قوله سبحانه وتعالى:
فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)
سادسا: هل بين القرآن لاحد ممن هم في زمن النبي انه لا يملك لهم أحدا من الله شيئا إن أراد الله بهم ضرا او أراد بهم نفعا
نعم ورد ذلك كما في قوله سبحانه وتعالى:
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11)
سابعا: هل ورد انه ليس هناك أحدا من دون الله يملك كشف الضر عنهم ولا تحويلا
نعم كما في قوله سبحانه وتعالى:
قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56)
فمن مجمل الآيات السابقة ثبت انه لا أحد يملك لأحد ضرا ولا نفعا إذ لا يوجد استثناء لما نفاه الله في الآيات السابقة، علما ان من غلى فيهم الرافضة هم بشر مثلهم مثل غيرهم سواء بسواء ليسوا أئمة ولا هم معصومين بل إن حالهم كحال عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وبلال بن رباح وعبدالله بن عمرو بن العاص وغيرهم
الأدلة من السنة
اما من السنة فقد وردت أحاديث تخالف من يظن ان احدا من دون الله ينفع او يضر وهي كما يلي:
ورد في البخاري ومسلم واللفظ للبخاري قول النبي:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا
ولا شك ان هذا يتعارض مع من يظن ان النبي ينفع او يضر
وجاء عند الترمذي وغيره حديث يأمر فيه النبي انه إذا سألنا فلنسأل الله كما في الحديث:
يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ
الخلاصة
ثبت من القرآن والسنة انه لا احد من دون الله ينفع او يضر، وهذا ثابت بآيات عديدة واحاديث وليس هناك استثناء البتة فيكون ذلك هو الحق ومن زعم خلاف ذلك فيكون افترى على الله كذبا
هذا والله اعلم وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق